الإسلاميون بين ثورتين ..مصر وإيران

الإسلاميون بين ثورتين ..مصر وإيران

د.أحمد فال السباعي

مرت أربعون عاما على ثورة إيران ومرت ثماني سنوات على ثورة مصر في “الربيع العربي”. وما بين الثورتين امتد تاريخ طويل من الأحداث التي غيرت وجه العالم العربي والإسلامي .
انتهت الحرب الباردة وانتصر الأفغان على الاتحاد السوفيتي وتحرر لبنان وانتصر في حرب تموز كما انتصرت غزة ودارت رحى حروب الخليج وانتقلت السلطة وسقطت أنظمة ما سمي بالربيع العربي.
ليس من اليسير على الباحثين مقارنة ابعاد الثورتين: الإيرانية التي اسقطت الشاه وثورة25يناير في مصر وتأثيراتها السياسية والاجتماعية ولاقتصادية والثقافية، لكننا سنحاول في هذه الورقة ان نفتح المثقف والقارئ العربي على بعض أوجه المقارنة التي تحتاج إلى الك ثير من البحث والتمحيص والتأمل.
لماذا نجحت التجربة الإيرانية في الوصول إلى السلطة بينما لم  يتمكن إسلاميو مصر من المحافظة عليها؟ وهل من مستقبل للمشروع الإسلامي في مصر؟ اين مكامن القوة والضعف في كلتا التجربتين؟
فشلت حركة25يناير في مواجهة العسكر الذي تمكن من مفاصل مؤسسات الدولة العميقة إعلاميا وامنيا واقتصاديا، ووجد حزب الحرية والعدالة صعوبات كبيرة في تأليف المعارضة الليبرالية والعلمانية والقومية. لقد اقتنع الإخوان متأخرين بأهمية التوافق الوطني والتحالفات غير الإيديولوجية في تأسيس الاستقرار السياسي.

1. أزمة الكاريزما (ثورة بلا زعيم):

افتقدت ثورة25يناير للقيادة الكاريزمية الواحدة التي يلتف حولها الشعب، والتي توفرت لثورة إيران التي قادها الخميني عالم الدين المنحدر من ال البيت. لقد تمكن “السيد الثائر” من قيادة النخبة السياسية بكافة تلاوينها وبفعالية افتقدها الربيع العربي. ورغم ان تاريخ إيران منذ ثورة المشروطة
سنة1906رسخ مكانة وحصانة المراجع الدينيين إل ان حركة الإخوان المسلمين افتقدت منذ الشهيد حسن البنا قيادة قوية قادرة متمتعة بمصداقية حقيقية في اوساط المثقفين والنخب السياسية والدينية
المصرية.
لم تتمكن ثورة يناير من ان تجد قائدها الرمز، خصوصا وان التدخلات الخارجية التي يسرها الإعلام والعالم الافتراضي جعلت بعص القنوات تقود الثورات وبعض الشخصيات الافتراضية تقود الحركة الجماهيرية. لكن يبدو ان طابع “القيادة الجماعية” الذي ميز العقود الخيرة من تنظيم الجماعة
ونهج التعيين عن طريق توافقات القيادة التاريخية لم يسمح بصعود قادةجدد.
في هذا السياق أراد الإخوان الخروج سريعا من حالة الثورة إلى الدولة، واتبعوا في ذلك منطق البحث عن التراضي الذي طالما اديرت به الجماعة داخليا بدل منطق القرارات الثورية الحاسمة. في هذا السياق السياسي النخبوي الذي تحكمت فيه العوامل الخارجية ك ثيرا تباعدت مساحة التلاقي
بين عموم الثوار والإخوان بسرعة كبيرة.
من جهة اخرى، كان من الصعب على الإخوان المسلمين إقناع خصومهم القوميين والعلمانيين بمشروعهم الديمقراطي وسط ضجيج الشعارات الصريحة المهاجمة للقيم الديمقراطية والتي لم يستطع الإخوان السيطرة عليها بسبب هذا الفراغ القيادي، الذي يضمن انسجام القاعدة مع القيادة
ويملك صاحبه القدرة على توجيهها والتأثير عليها، بمقابل ذلك لم تعاني ثورة إيران من وسائل التواصل  ومن تقارب العالم المفتوح، فيما حافظت الشعارات المدروسة بإحكام والتي اذاعها انصار الخميني على مطالب النخبة وعلى مشاعر الجمهور.

2.أزمة الخطاب (مجتمع ثائر. مجتمع حائر):

كانت ثورة إيران منسجمة مع انماط التدين العام في المجتمع، ووفر خطاب المفكر علي شريعتي وامثاله شعارات سياسية مساوقة للدين، لينخرط طلبة الحوزات والجامعات جنبا إلى جنب في الثورة من خلال خطاب لمس عمق الانتماء القومي والديني في مجتمع “الثورة الحسينية”.
مقابل هذا، راهن الإخوان المسلمون على التدين “الوهابي” الطارئ على المجتمع المصري، فيما حورب التصوف وطرقه داخل المجتمع بسرعة مريبة، المر الذي اسهم في خلق قلق كبير داخل اوساط الثوار حول طبيعة المجتمع الديني المنشود من وراء هذه الثورة.
لقد افتقد الإخوان مرة اخرى لخطاب حسن البنا الجامع بين الصوفية والسلفية في خطاب ديني منسجم ومعتدل ومقبول اجتماعيا، بل ركز المتعاطفون السلفيون مع الإخوان على توطيد مظاهر الحياة الإسلامية،
وتناسوا عن قصد أو غير قصد أساس الوحدة الذي يضمن التغيير السلمي والسلس.

3. أزمة التعامل مع الخارج (حكومة حاكمة ام حكومة محكومة): فيما حدثت ثورة إيران على حين غرة من رقابة العالم الغربي اللصيقة كما أثبتت ذلك وثائق الاستخبارات الأمريكية المفرج عنها مؤخرا18، كانت ثورة 25 يناير ثورة علنية غير مخطط لها تماما وحصرا من طرف الإسلاميين.
لعب الضغط الخارجي دورا كبيرا في التأثير على مجريات الصراع بين الثوار ونظام مبارك كما لعب العسكر دورا محوريا في السيطرة على المسار الثوري. ثورة إيران كانت مفاجأة كبيرة كما تؤكد ذلك التقارير الأمريكية حينها والتي بشرت الشاه الخير بطول السلامة، فيما قفزت القوى الإقليمية والقوى الكبرى على مفاصل الثورة المصرية حتى قبل بدئها.
اخترقت الخبرات الغربية عمل الثوار لتصنع زعاماتها الطارئة والسريعة وسط الشباب الغاضب واثرت القوى الإقليمية وعلى راسها السعودية في قرار الإخوان المسلمين. لقد وفر التحالف مع دول النفط الوهابية جمهورا سلفيا واسع التأثير في الانتخابات.
بمقابل هذا اثر السلفيون على خطاب الإخوان الديني وعلى موقفهم من المخالفين سواء  كانوا صوفية أو مسيحيين أو علمانيين. وبرزت إلى العلن بدل من ذلك أشكال هجينة من سلوكيات التسامح التي تزيد التوجس بدل أن تقلصه.
تبنى القياديون القطبيون في الجماعة بحماسة كبيرة “الخطاب الطائفي” الذي اجتهدت وسائل الإعلام والدعاية الخاصة الموالية للعسكر ولنظام مبارك في توسيع الشرخ الناتج عنه داخل ساحة الثوار.
لقد بدا مبكرا في وسط هذا المسار الثوري ان الإسلاميين ورفقاءهم من الثوار ليرجمون الشيطان نفسه، وزادت السياسة الخارجية لحكومة الحرية والعدالة من توهين صورة الحكم الجديد امام الداخل والخارج، كما مس الطابع الطائفي والحزبي من القناعة الدولية بفعالية الثوار وقدرتهم على قيادة الشعب المصري بكافة أطيافه.
بمقابل هذا، لازال الإسلاميون في مصر لم يعطوا كلمتهم الأخيرة خصوصا حين عادوا إلى مجال القمع الذي طالما ألفوه. بالإضافة لهذا يوفر صعود النموذج التركي واستمرار النظام الإيراني دافعا مهما لإمكانيات نجاح عودة إسلاميي مصر إلى الحكم، الذين ل زالت تدعمهم جماهير الثوار داخل البلاد وخارجها بعد ان اكتشف المتحالفون مع العسكر وهم الاستبداد المتنور الذي بشرت به بروبغندا  المنقلبين على ثورة يناير.